إن التطورات السريعة والمتلاحقة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والانتشار الواسع لشبكة الإنترنت وارتباط كافة جوانب الحياة وانخراط المواطنين في تطبيقاتها في كافة المجالات، ساهمت في إعادة رسم صورة جديدة لمفهوم الوطن والمواطن وأظهرت مفاهيم ومعاني جديدة مثل، العالم الافتراضي والمجتمع الرقمي والمواطن الرقمي وأظهرت وقائع جديدة تؤكد أن أعمالنا وكافة جوانب حياتنا أصبحت أكثر ارتباطا وتشابكا مع التكنولوجيا الرقمية، ومن ثم دعت الحاجة إلى سياسات وقائية تحفيزية، وقائية من أخطار التكنولوجيا، وتحفيزية للاستفادة من إيجابياتها، كما أننا بحاجة إلى ابتكار سياسات مناسبة للاستخدام المقبول وقواعد لتفعيل هذه السياسات بمعنى وضع إطار عام لتوعية المواطن بضوابط التعامل مع التكنولوجيا الرقمية، وقد كان في ذلك تمهيدا مناسبا لظهور مصطلح المواطنة الرقمية (Digital citizenship) الذي يعبر عن الاستخدام الملائم الفعال لمصادر التكنولوجيا الرقمية ووسائطها في إنجاز الأعمال وتهيئة المواطن الرقمي والذي يشير إلى شخص يتمتع بالمهارات والمعرفة اللازمة لاستخدام التقنيات الرقمية بفعالية للمشاركة في المجتمع والتواصل مع الآخرين وإنشاء محتوى رقمي واستخدامه. وإذا كانت التكنولوجيا الرقمية تضيف إلى رصيدها مكاسب جديدة كل يوم، فإنه يجب ألا نهمل ما يرافق ذلك من إفرازات سلبية تتمثل من انتشار الممارسات السيئة لاستخدام التكنولوجيا التي تتمثل في التقاط صور فوتوغرافية غير مناسبة باستخدام كاميرات الهواتف وعرض المواد الإباحية على شبكة الإنترنت وتحميل بعض البرامج بطريقة غير شرعية وسرقة المعلومات من على الإنترنت وممارسة الألعاب الإلكترونية على أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية داخل الفصول الدراسية، واستخدام الرسائل الفورية لإجراء بعض العمليات التخريبية، واستخدام مواقع الإنترنت لتهديد الأفراد والقيام بعمليات النصب والسرقة. هذا وغيره من التهديدات التي تضع العالم أمام تحدي كبير يتمثل في تكثيف الجهود لصياغة استراتيجيات وسياسات موجهة نحو تعزيز الإيجابيات ومواجهة تلاقي أثر السلبيات .
ما أهمية الوصول عبر الإنترنت والمهارات الرقمية ؟
في عالم اليوم يعد الوصول إلى الإنترنت والمهارات اللازمة لاستخدامه أمرًا مهمًا لقدرة الشخص على المشاركة الكاملة في المجتمع، وما يعيشه المجتمع من تحول رقمي كبير في كل مناحي الحياة، حيث أن الموضوع أصبح ضرورة قصوى وليس خياراً أو ضرباً من الكماليات ؛ حيث تجلب الإنترنت مجموعة متزايدة من الفوائد وأصبحت ضرورية. على سبيل المثال سهولة الخدمات المصرفية عبر الإنترنت التي ساعدت وساهمت في تسهيل العمليات النقدية ورواجها أكثر من قبل، والوصول إلى الخدمات الحكومية، والعثور على المعلومات والتعلم والاطلاع على الكتب الإلكترونية من خلال مواقع المكتبات الرقمية وإجراء العديد من طرق التواصل بشكل إلكتروني، والبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف وسائله وتطبيقاته المتوافرة وكثيرة التشعب حالياً (مثل Skype و Facebook وغيره)، وتوفير الخدمات الطبية وكل المعلومات المرتبطة بها وحتى المعلومات عن الطاقم الطبي وعن المستشفيات والعيادات والأطباء المتخصصين وأيضا المختبرات المتوفرة وخدماتها الموجودة، والمتابعة لأحدث الأخبار عن طريق المجلات والصحف التي تمتلك مواقع خاصة بها تمكن من الاطلاع على أحدث الأخبار العالمية والمحلية، بالإضافة لمتابعة البث التليفزيوني والراديو عبر الإنترنت.
ما هي طرق تعزيز المكتبات للمواطنة الرقمية ؟
نحن نعيش في خضم ثورة رقمية وعدد الموصولين بالإنترنت أكبر من أي وقت مضى، وهم يستعملون الأجهزة والخدمات الرقمية في العمل وفي جميع جوانب حياتهم. وقد عزز ذلك إلى حد ما تطور النطاق العريض المتنقل، الذي يضمن كل يوم مشاركة المزيد من الناس في البلدان النامية في الاقتصاد الرقمي. كما انتشرت التكنولوجيات الجديدة طوال العقد الماضي - بعضها في الآونة الأخيرة - ومنها الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وسلسلة كتل البيانات، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والتطبيقات المتنقلة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وغيرها، وسوف يؤدي ذلك إلى إحداث تغيير عميق في حياتنا اليومية طوال العقد المقبل، مما يغير بشكل جذري كيفية استهلاكنا وإنتاجنا وعملنا. وكما هو الحال في كل التغييرات التحولية، فهنا تتيح لنا فرصة كبرى بأن يكون للمكتبات دور رئيس وفعال في تمكين المواطنة الرقمية من خلال تحقيق :
- دعم وتطوير مجموعة من الموارد الرقمية في المكتبة بحيث تهدف إلى جودة ومحتوى رقمي منظم من مصادر موثوقة، وتوفير موارد التعلم التي يمكن للأفراد استخدامها لتطوير مهاراتهم الرقمية. ومن التطبيقات الشائعة لهذا النموذج من إتاحة الموارد الرقمية هي المكتبات والمستودعات الرقمية للعديد من المكتبات العربية والأجنبية.
- توفير مساحات مجانية وآمنة للوصول إلى شبكة Wi-Fi وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة من خلال المكتبات ومراكز المعلومات، فعلى سبيل المثال مكتبة جامعة الملك عبد العزيز ، حيث توفر أجهزة حاسب آلي، موصلة بشبكة الإنترنت، متوافرة في المكتبة المركزية وكافة فروعها، بهدف تسهيل البحث للمستفيدين. كما يمكن للمستفيدين إحضار أجهزة الحواسيب الشخصية (المحمولة) واستخدامها لتوافر شبكة الإنترنت في أنحاء المكتبة من خلال ال Wi-Fi .
- مساعدة رواد المكتبة على تحسين المهارات الرقمية لاستخدام الإنترنت التي يحتاجون إليها للانخراط في مجتمع رقمي ؛ حيث تمثل المكتبات العامة قنوات مركزية لتعليم المهارات الرقمية، فهناك ما يقرب من (410,005) مكتبة عامة حتى عام 2023 وفق آخر تحديث للإحصائية التي رصدتها خريطة الإفلا، ونجد على سبيل المثال في سريلانكا مشروع (Nenasala) أحد المشاريع المنفذة في إطار مبادرة سريلانكا الإلكترونية يوفر لرواد المكتبات تعليم المهارات الرقمية والنفاذ إلى مجموعة كبيرة من المواد ذات الصلة المحلية .
- توفير الوصول الرقمي إلى المخطوطات والكتب التراثية والنادرة والتي تعتبر جزء من التراث العربي مثل مخطوطات جامعة الملك سعود ؛ حيث تحتوي على مجموعة من المخطوطات والوثائق التي يكتسب بعضاً منها ندرته سواء من المضمون العلمي أو الحالة الفنية أو الجانب التاريخي، أو منها مجتمعة.
- استضافة أحداث تعليمية أو مناظرات أو مسابقات حول المواطنة الرقمية لزيادة الوعي بها والترويج لها في المكتبة.
- تنمية المهارات الرقمية لاختصاصي المعلومات وكيفية استثمار قدراته ومؤهلاته ومهارته في العمل بها بشكل ينسجم مع متطلبات واحتياجات المستفيدين النهائيين منها وذلك ليكونوا قادة في العصر الرقمي.
- توفير الوصول العادل إلى التقنيات الرقمية الحالية والناشئة في المكتبة لمعالجة الشمول الرقمي.
- تقديم إرشادات مباشرة للمستفيدين حول الأمان على الإنترنت والمواطنة الرقمية، فعلى سبيل المثال تقدم مكتبة نيويورك العامة مجموعة من إرشادات الأمان على الإنترنت للأطفال والشباب.
ولا يمكننا أن ننسى دور اختصاصي المكتبات المدرسية وكيف لهم أن يحققوا دورا مهما في إجراء اتصالات المواطنة الرقمية بالشراكة مع المدرسين، وفي بيئات التعلم المادية والافتراضية الغنية بالمكتبة وذلك من خلال تحقيق :
- المساعدة في تطوير وتنفيذ برنامج المواطنة الرقمية على مستوى المدرسة.
- التعاون مع المعلمين لدمج المواطنة الرقمية في ممارساتهم الصفية.
- تقديم الإرشادات والتوجيهات المباشرة للطلاب حول عناصر المواطنة الرقمية.
- توفير التطوير المهني المستهدف للمعلمين ككونه مدافعًا وقائدًا عن المواطنة الرقمية داخل المدرسة ومجتمعها.
المصادر
- نصار، نور الدين محمد. تصورات طلاب الجامعة العربية المفتوحة بالمملكة العربية السعودية نحو المواطنة الرقمية وسبل تعزيزها : (دراسة ميدانية على عينة من طلاب الجامعة). – مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 1 (2019)، صفحات 152-184. استرجعت 14 / 4 / 2024. من https://journals.iugaza.edu.ps/index.php/IUGJEPS/article/view/4918/2343
- جامعة الملك عبد العزيز. خدمات المكتبة. استرجعت 14 / 4 / 2024. من https://library.kau.edu.sa/Content-212-AR-257812
- مجموعة أدوات المهارات الرقمية / مجموعة من الباحثين. - ]جنيف، سويسرا[ : الاتحاد الدولي للاتصالات، 2018. استرجعت 17 / 4 / 2024. من https://www.itu.int/en/ITU-D/Digital-Inclusion/Documents/Digital-Skills-Toolkit_Arabic.pdf
- Your library and digital citizenship. Retrieved 17 / 4 / 2024. From https://natlib.govt.nz/schools/digital-literacy/connections-to-digital-citizenship/your-library-and-digital-citizenship
- Establishment of Nenasalas. Retrieved 17 / 4 / 2024. From https://nenasalashanker.blogspot.com/p/nenasala.html
- New York Public Library. Internet Safety Tips for Children and Teens. Retrieved 17 / 4 / 2024. From https://www.nypl.org/help/about-nypl/legal-notices/internet-safety-tips
- IFLA. LIBRARY MAP OF THE WORLD. Retrieved 17 / 4 / 2024. From https://librarymap.ifla.org/
Comments